أحبتى فى الله:
هل أنزل الله القرآن ليقرأ على الأموات فى القبور؟ هل أنزل الله القرآن ليوضع فى العلب القطيفة الفخمة الضخمة
التى توضع فى مؤخرة السيارة، وفى غرف الصالون؟ هل أنزل الله القرآن ليوضع فى البراويز الفضية والذهبية
ويعلق على الجدران والحوائط؟ هل أنزل الله القرآن ليحلى به النساء صدورهن فى مصاحف صغيرة؟
هل أنزل الله القرآن ليهديه الحكام والزعماء إلى بعضهم البعض، فترى الحاكم يستلم المصحف منحينا على كتاب الله
ليقبله بخضوع جسدى كامل كأنه عثمان بن عفان فى الوقت الذى يضيع فيه شريعة هذا القرآن:
{طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} (2) سورة طـه. ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى به أو لتشقى الأمة من بعدك به
أو لتشقى بحدوده وأوامره ومناهيه وتكاليفه، كلا بل لقد أنزل الله عليك القرآن لتقيم به أمة لتحيى به أمة لتقيم به
دولة لتسعد به البشر فى الدنيا والآخرة: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ
الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (9) سورة الإسراء.
فمن أعظم حقوق القرآن على الأمة التى أنزل الله على نبيها القرآن آن تقرأ القرآن بتدبر بتفهم بتعقل:
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد فأول حق أن نقرأ القرآن "والحسنة بعشر أمثالها
أما إنى لا أقول آلم حرف بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف".
وفى صحيح مسلم من حديث أبى أمامة أنه r قال: اقرؤوا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعاً لأصحابه"([4])
وفى الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبى r قال:" لا حس- والحسد هنا بمعنى الغبطة- إلا فى اثنين
رجل لآتاه الله القرآن فهو يقوم به – أى: بتلاوته- آناء النهار"([5])
وفى الصحيحين من حديث عائشة .... وهذه بشرى لمن يشعر بصعوبة وهو يقرأ القرآن لمن ينطق بالكلمة أو الحرف
كأنه يحمل حجرا لأنه لا يحسن التلاوة ولا يجيد القراءة اسمع ماذا قال النبى الصادق فى حقه والحديث فى الصحيحين
من حديث عائشة قال : " الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة- أى الملائكة- الماهر بالقرآن- أى
الذى يقرأ القرآن بمهارة ويحسن الأداء والتلاوة- مع السفرة الكرام البررة- أى منزلته مع الملائكة-
والذى يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق فله أجران"([6]).
ولا شك أن الأول أفضل لما دلت عليه المعية الكريمة من صحبة الملائكة لكن الذى يقرأ القرآن بصعوبة له أجران،
أجر على التلاوة وأجر على مواصلته للقرىءة بمشقة وصعوبة ، وفى الحديث الذى رواه الطبرانى وصححه الألبانى
أن النبى قال: "أبشروا فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به لا تهلكوا أبدا فإن تمسكتم به لن تهلكوا أبدا".
وفى صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان رضى الله عنه أن النبى قال:" يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله
الذين كانوا يعملون به يقدم القرآن سورة البقرة وسورة آل عمران كأنهما غمامتان، كأنهما غمامتان،
أو غيابتان أو حزقان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما"([7]) أى: بين يدى الله جل وعلا.
أيها الأفاضل فضل القرآن عظيم وفضل التلاوة عظيم كما ذكرت فضل القرآن على كل كلام كفضل الله على كل خلقه،
بعد حق التلاوة بتدبر بتفهم يأتى حق السماع لمن لا يحسن التلاوة اسمع القرآن ممن يحسن التلاوة،
أيضا عليه أن يكثر السماع للقرآن: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (204) سورة الأعراف
. ولا يسمع القرآن إلا صاحب القلب الحى الذى ذكرت هذا هو الذى يصغى بأذن رأسه وأذن قلبه ليسمع عن الله
جل وعلا لينتفع بآيات الله المتلوة وآيات الله المرئية فى الكون من عرشه إلى فرشه، ثم حق العمل بالقرآن
ما أعظم من تغافل عن أدائه والله ما ذلت الأمة لكلاب الأرض من الإرهابيين السفاحين من اليهود ، ولأنجس أهل الأرض
من عباد البقر الهندوس ولأكفر أهل الأرض من الملحدين الملاعين الروس ولغيرهم من أرذل أمم الأرض إلا يوم
أن أعرضت عن القرآن، والله ما هانت الأمة إلا يوم أن نحت القرآن وهجرت التحاكم إلى القرآن، وضيعت العمل
بالقرآن أعلنها بملء فمى وبأعلى صوتى. يوم استبدلت الأمة بالعبير بعرا، وبالثريا ثرى، وبالرحيق المختوم
حريقا محرقا مدمرا، يوم تركت الأمة سفينة النجاة الوحيدة وركبت قوارب الشرق الملحد تارة، وقوارب الغرب
الكافر تارة وقوارب الوسط الأوروبى تارة، غرقت غرقت فى أو حال الذل، غرقت فى بحار من الظلمات ومن
الفتن يوم أ، نحت الأمة القرآن هانت لأحقر أمم الأرض.
فبالقرآن تحولت الأمة العربية إلى أمة مسلمة أذلت الأكاسرة وأهانت القياصرة، وغيرت مجرى التاريخ فى فترة
لا تساوى فى حساب الزمن شيئاً فتحولوا فى قلب الجزيرة العربية، تحولوا من رعاة للإبل والغنم إلى سادة وقادة
لجميع الدول والأمم يوم أن أنصتوا بآذان القلوب وآذان الرؤوس إلى القرآن يتلى على رسول الله ، فانطلقوا ليحولوا
هذا القرآن فى دنيا الناس إلى واقع يتألق سموا وعظمة وجلال تحولوا من رعاة للإبل والغنم إلى سادة وقادة
لجميع الدول والأمم يوم أن نطق العربى فى قلب الجزيرة كلام الله بل تفاعلوا مع القرآن بصورة مذهلة للعقول
فى هذا الزمان حتى قال: لا أقول صحابيا بل أعرابى سمع رجلا يوما يتلو قول الله جل وعلا: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ
وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} (22، 23) سورة الذاريات .
فقال الأعرابى وليس صحابيا فقال الأعرابى: من ذا الذى أغضب الكريم حتى يقسم؟ إلى هذا الحد
من التفاعل مع القرآن .. كانت الآية تنزل فيقرأها النبى فتتحول فى التو واللحظة إلى واقع ... كان الصحابة
فى المدينة يشربون الخمر ولم تحرم بعد، فلما دخل صحابى عليهم، وكؤوس الخمر بينهم وقرأ عليهم قول الله
جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (90) سورة المائدة. فلما قرأ الآية عليهم والله ما أكمل صحابى جرعة الخمر فى يده ما قال:
نكمل هذه الجرار، وهذه الكؤوس وننتهى لا بل قام أنس بن مالك فسكب آنية وجرار الخمر وسكب الصحابة الخمر
فى الشوارع حتى سالت فى طرقات المدينة وقالوا على لسان رجل واحد: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (285) سورة البقرة.