[center]امر يحدث في كل مكان في العالم: الطير الابابيل تعتدي على الفريق الجزائري




(

November 16, 2009 07:56 PM


من الآن فصاعدا، يجب أن يخشى الصحافيون المحترفون (بالمعنى التقليدي) على مصير وظائفهم وعلى وجود مهنتهم كما هو متعارف عليها منذ القدم. أقول هذا منطلقا من الاعتداء السافر الذي تعرض لها لاعبو الفريق الجزائري وهم في حافلة تقلهم من مطار القاهرة الى فندق قريب مساء الخميس.
كنت بمقر الجريدة طيلة المساء، فما أن انتشر خبر ذلك الاعتداء الآثم حتى بدأت الصور تتدفق عليّ بأكثر من طريقة، بشكل مثير للإعجاب دعاني اتساءل في قرارة نفسي عن مصير مهنة الصحافة ومستقبل الصحافيين، كما ذكرت آنفا. بينما كان المراسلون الصحافيون نياما أو بعيدين عن موقع الاعتداء، أو غير منتظريه من الأصل، كان الصحافيون البدلاء يبعثون الصور تلو الصور نحو الخارج ونحو (زملائهم) في قاعات التحرير بعدد من العواصم. وكان من ثمار هذا العمل الجميل والجبار، أن انكشف المعتوهون الذين اعتدوا على شبان مسالمين عزّل لا يعرفون مصر حتى في الخريطة.
أغلب هؤلاء الصحافيين البدلاء مجهولون لم، وربما، لن يمتلكوا حق وفرصة إمضاء صورهم كي يحفظها لهم التاريخ وينصفهم. وقد بلغني أن اثنين منهم شابان سافرا من لندن ولعبا دورا في فضح الاعتداء على اللاعبين الجزائريين، وأن ترتيبات تجري بغرض تكريمهما بعد عودتهما لقاء جهدهما. فلولا هذان الشابان، واحد اسمه الياس فيلالي والآخر صالح مريش، وأمثالهما، وبالنظر الى التهريج الذي وقعت فيه وسائل الإعلام المصرية بخصوص الاعتداء، لسمعنا في الفضائيات التي تبث من مدينة الإنتاج الإعلامي بالقاهرة أن لاعبي الفريق الجزائري أطلقوا النار من حافلتهم على مناصرين عزّل جاؤوا يستقبلونهم بالعسل والورود! عندما تورد صحيفة 'الأهرام'، التي لم يبق لها غير الإسم ومن القراء غير الباحثين عن إعلانات الوفاة، أن حافلة الفريق الجزائري تعرضت لـ'حادث غريب' وتشير الى أنه 'ملفق'، لا يجد المرء إلا أن يرثي هذا المستوى من التفكير. لن أتحدث عن الصحف الصفراء التي يقل عدد قرائها عن عدد موظفيها، فتلك نزلت الى إسفاف لا يستحق الوقوف عنده.
ربما 'الأهرام' معذورة، فذاك ديدنها منذ 100 سنة، وأول ضحاياها الشعب المصري ومنذ زمن طويل. لكن محطات فضائية مصرية غير معذورة أبدا، فقد ذهبت الى حد التشكيك في وقوع الاعتداء أصلا. لقد قالت ان لاعبي الفريق الجزائري افتعلوا الحادث وهشموا زجاج الحافلة وحاولوا تخريبها بهدف كسب التعاطف الدولي والإساءة لمصر (عادي، كل من اشتكى ظلما أو طالب بحق، فهو يسيء الى تاريخ وحضارة مصر). هذا ما يسمونه بالانكليزي To add insult to injury. ' ' ' لهذا اتفقت الفضائيات المصرية على عدم بث صور اللاعبين الجزائريين المصابين في ذلك الاعتداء الهمجي، رغم أن العالم كله شاهدها. حدث هذا رغم أن أول رد فعل رسمي في القاهرة كان على لسان 'مصدر أمني' ونقلته وكالة فرانس برس. يقول المصدر ان الحافلة تعرضت للرشق بالحجارة، لكن 'مصدر الحجارة غير معروف!' (ربما طير أبابيل).
لو اعتذرت تلك القنوات أو بعضها وقالت ان ما حدث عمل معزول لا يمثل شعب مصر، كنا قبلنا الأمر ووضعناه خلف ظهورنا. ولم تتورع بعض هذه الفضائيات في اختلاق كل أساليب البهتان لإثبات تهمة كذّبتها صور الصحافيين البدلاء وأخرى التقطتها هواتف اللاعبين ذاتهم من داخل الحافلة في أشد اللحظات صعوبة وحرجا.
إحدى هذه الفضائيات، قناة 'الحياة'، ذهبت الى مسخرة لا يتقبلها عقل ولا تليق بأسوأ مسرحيات الكوميديا المصرية: قبل المباراة بثت مقابلة مصورة مع سائق حافلة الفريق الجزائري، وهو يجلس في كرسي القيادة، وانطباعاته ومشاعره وهو يقود حافلة (العدو). في المساء، وفي سياق تفنيد وقوع الاعتداء، بثت 'الحياة' ذاتها صور السائق وهو يروي كيف 'اعتدى عليه' الجزائريون وكيف نهره مسؤول في البعثة. الفرق هذه المرة أن السائق شخص مختلف لا علاقة له بالسائق الأول (انظر هذا الرابط: أو هذا: https://www.youtube.com/watch'
v=OhoGJPF_b). ألفت الى ان هذين الرابطين قد تم حذفهما امس. أنوه الى أن ردة فعل الفضائيات المصرية وصحف القاهرة، جاءت متأخرة وبعد أن تدفقت صور الصحافيين البدلاء وبثتها تلفزيونات فرنسية وألمانية.
وبدت هبّة الإعلام المصري، علاوة على تأخرها، كسيحة ومفضوحة لا يقبلها عقل. والشيء بالشيء يذكر، ففي ذات المساء شاهدت تغطية للاعتداء في برنامج رياضي على قناة 'كانال بلوس' الفرنسية. كان في البرنامج مذيعون وضيوف في حالة ذهول وهم يشاهدون صور الحجر يرجم حافلة اللاعبين من أربع جهات. ساد صمت ووجوم والتقطت الكاميرا صور أشخاص كل تقاسيم وجوههم لا تصدق ما ترى. كان يجب أن يتصل أحد بالبرنامج ليبلغ المذيعين بأن الفضل في ذلك الهجوم السافر على أولئك الشبان العزّل، يعود لزميل لهم اسمه عمرو أديب، حرض على الحقد والضغينة فها هي الدماء تراق استجابة لأمنيته. أما الذين حاولوا التهدئة على طريقتهم، بالقول ان الاعتداء على حافلة الفريق يمكن أن يحدث في أي مكان بالعالم، فدجالون، بمن في ذلك وزيرا الرياضة والخارجية الجزائريين (الأخير الذي يخاطب المصريين بعربية سليمة، والجزائريين في تلفزيونهم بالفرنسية باعتبارها اللغة الرسمية والوطنية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية). دجالون لأن هذا الاعتداء السافر لم يعد موجودا حتى في أدغال افريقيا. بل لا أذكر أن الفريق الجزائري تعرض لمثله في الثمانينات والتسعينات وقد كانت له صولات وجولات في كل بلد افريقي. لو قالوا ان ذلك الهجوم من فعل شلة من المتعصبين، كنا تقبلنا الأمر. لكن ان 'يحدث في كل مكان بالعالم'، فهذا كذب وبهتان، وأنا بانتظار أن يدلني أحد على واقعة كهذه في السنوات العشر الأخيرة بأي مكان في العالم. أما الوزراء الجزائريون، فبدل أن يبدوا صرامة أكثر ويطلبوا اعتذارا للاعبين المساكين، راحوا كعادتهم يبيعوننا أكاذيب لا يقبلها منطق وعقل.
ذكرتني هبّة الإعلام المصري للدفاع عن شرف مصر المذبوح في طريق المطار، بردة فعل الإعلام السوري عندما حدث تفجير المزة قبل ثلاث سنوات: أخباره تغطي العالم والمياه تجري من تحت الجسور، بينما الفضائية السورية تبحث عن نفي ثم تبريرات بطريقة مثيرة للشفقة. مع فرق أن الإعلام السوري ليلتها حافظ على بعض الحياء ولم يذهب الى مستوى يقاس بالقول ان اللاعبين الجزائريين اصطنعوا الحادثة بهدف الإساءة لسمعة مصر! من المحزن القول ان الذين روجوا لمثل هذا الدجل لا يعرفون الجزائريين عامة ولاعبي الفريق القومي خاصة. فالجزائريون ممثلون فاشلون، في الحياة اليومية العادية وفي العمل الفني. أما اللاعبون فأكثر من ثلاثة أرباعهم مغتربون محترفون في فرق أوروبية لا تسمح بالخيال وبهذا النوع من الابداع. أكثر من هذا، وبكل ثقة، لو ثبت أنهم فعلا فبركوا الحادث، أناشد كل من له مسؤولية في ذلك البلد أن يحجزهم فور عودتهم من الخرطوم بمدرسة الفنون الجميلة ببرج الكيفان، وبعد ستة أشهر سيكون لنا أفضل فرقة مسرحية في العالم. ' ' '
من المحزن أيضا أن دجل الإعلام المصري انطلى على مصريين كثيرين، فلم يعد هناك فرق بين إسكافي أو قهوجي وإعلامي. مدير مكتب 'الجزيرة' بجلالة قدره تجرد في رمشة عين من حذره المألوف وتحوّل الى مناصر متعصب في النشرة المغاربية مساء الأحد، عندما سمع من مراسل هذه الجريدة بالجزائر، كمال زايت، كلاما مرفوضا مصريا. لقد تحدثت الى أحدهم فقال 'مثلما تقولون أنتم ان الاعتداء وقع، هناك من يقول انه لم يقع!'. قلت: 'في مثل هذه الحالة، وبما أن كل شيء يحتمل وجهين، فغزة ليست محاصرة والجيش الأمريكي غير موجود في أفغانستان، والأمريكيون لم يصعدوا الى القمر!'. الفرق بين الرواية الأولى والرواية الثانية، يا محترم، أن الأولى ترويها صور، لهذا تحدثت منذ البدء عن صور (لا تحتمل التكذيب) ولم أقل أخبارا (تحتمل الصح والخطأ). والفرق أن الأولى تروي فعلا يكشف عن همجية، والثانية تسعى لنقل نفي غير متورعة عن اختلاق سيناريو يليق بمسرحيات عادل إمام عندما كان كوميدياً حقيقيا (قبل أن يتحول الى مداح عند ولي العهد جمال مبارك). بصراحة، كانت لخادمكم بهذه السطور اهتمامات أدبية وفنية وعين على السيناريوهات السينمائية والمسرحية. لكن أعترف بأنني في حياتي لم يخطر على بالي سيناريو يقلب واقعة محددة في الزمان والمكان وتناقلها أكثر من مصدر، بالشكل الذي فعله الإعلام المصري وفضائياته.
لا غرابة اليوم مصر تنتج ذلك الكم الهائل من الأفلام والمسلسلات التي لا طعم ولا رائحة لها. لا أحزن على نتيجة المباراة بقدر حزني على المعاملة 'الاستثنائية' التي لقيها الجزائريون، لاعبين ومناصرين، في مصر.. معاملة لم تلقها حتى وفود إسرائيلية. هنيئا لعمرو أديب، يمكنه اليوم أن يرقص حول الدماء البريئة التي أُريقت، ويفخر بإنجازاته في خدمة مصر جمال مبارك.
ختاما، أشيد بالفريق الجزائري وبأداء أولئك الشبان وسط ذلك الإرهاب النفسي والإعلامي وحتى الجسماني الذي تخلت عنه البشرية منذ عقود (ورغم ذلك يزعم وزيرنا انه يحدث في كل مكان بالعالم. ربما يفيد التنويه الى أن هذا الوزير لم يحظ بدقائق استقبال من نظيره المصري واكتفى بمصافحة مسؤولين رياضيين من درجات دنيا، وبدا تائها مثل الغريب باحثا عن كاميرا التلفزيون الجزائري ليتحدث إليها ـ بالفرنسية طبعا باعتبارها اللغة الوطنية والرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية المبتلاة بهذا الرجل وأمثاله الكثيرين). أيضا، أشكك في رواية السفير الجزائري بالقاهرة من أنه لا وجود لقتلى جزائريين في الشغب الذي أعقب مباراة السبت. ليس لدي ما يدعوني للثقة في كلام هذا الرجل. أتمنى أن تجرى تحقيقات محايدة لا دخل لهذا السفير بها، تحقق وإذا ثبت وجود قتلى ترفع دعاوى ضد الدولة المصرية وضد الفيفا وضد كل من له ضلع. دم هؤلاء ليس رخيسا، ولو كان فريقا أوروبيا لما تجرأ أحد أن يفكر في الاقتراب منه.


أهم الاسباب
1-شتم الرئيس بوتفليقة علنا جهارا نهارا في قنواتهم الفضائية
2-إتهام الفريق الوطني بالتكسير و التخريب دون مراعاة للوضع النفسي و هذا ما أرادوه تحطيم المعنويات
3-إتهام وزير الشبيبة و الرياضة من قبل السائق المزيف و على جميع القنوان بالسب و الشتم و الضرب و هل هذا معقول
4-حرق العلم الوطني الجزائري و التعرض للمناصريين و خير دليل شهادة الشهود و هم كثر
5-عدم الإعتراف بأخطاء الإعلاميين المصريين و محاولة تلفيق تهمة جديدة للفريق و المناصرين الجزائريين حتى بالخرطوم بواقعة الحافلة المفتعل من قبلهم و ليس لهم أدنى دليل على إتهاماتهم الجزائريين
6-شهادة وزير التضامن الجزائري الذي تعرض للضرب من قبل المناصريين المصريين دون أدنى حياء
7-التعرض للقيم و التاريخ الجزائري في القنوات المصرية و إتهام الجزائريين بالهمجية