مُوسى بن نُصَيْر (19 - 97هـ، 640 - 715م). موسى بن نصير بن عبدالرحمن بن زيد اللخمي بالولاء؛ وقيل: ولاؤه لبني أميَّة، أبو عبدالرحمن فاتح الأندلس. سياسي وفاتح عربي مسلم في عهد الدولة الأموية. أصله من وادي القرى بالحجاز. كان أبوه نُصير على حرس معاوية. ونشأ موسى في دمشق، وترعرع في بيت قوة وبأس، وولي أعمالاً عديدة في مقتبل عمره فقام بها بنجاح.
أعماله. ولي غزو البحر لمعاوية، فغزا قبرص وبنى بها حصونًا. خدم بني مروان، وولي لهم الأعمال، فكان على خراج البصرة في عهد الحجاج، وغزا إفريقية في ولاية عبدالعزير بن مروان. ولما آلت الخلافة إلى الوليد بن عبدالملك، ولاه إفريقية الشمالية وما وراءها من المغرب سنة 88هـ، فأقام في القيروان، ووجه ابنيه عبدالله ومروان فأخضعا له من بأطراف البلاد من البربر. واستعمل مولاه طارق بن زياد الليثي على طنجة، وكان قد فتحها وأسلم أهلها، وأمره بغزو شواطئ أوروبا، فزحف طارق بقوة من البربر والعرب من حامية طنجة، فاحتل سنة 92هـ، جبل كلبي الذي سمي بعد ذلك جبل طارق، وصدّ مقدمة الأسبانيين، وكانوا بقيادة تدمير. وعلم الملك لذريق بهزيمة تدمير، فحشد جيشًا من القوط والأسبانيين الرومانيين، يناهز عدده أربعين ألفًا، وقابل طارقًا على ضفاف وادي لكة بقرب شريش فدامت المعركة ثمانية أيام، وانتهت بمقتل لذريق بيد طارق. وكتب طارق إلى موسى بما كان، فكتب إليه موسى يأمره بأن لا يتجاوز مكانه حتى يلحق به. ولم يعبأ طارق بأمره، خوفًا من أن تتاح للأسبانيين فرصة يجمعون بها شتاتهم، وقسم جيشه ثلاثة أقسام وواصل احتلال البلاد، فاستولى قواده في أسابيع على إستجة ومالقة وقرطبة، واحتل بنفسه طليطلة دار مملكة القوط واستخلف موسى على القيروان ولده عبدالله، وأقبل نحو الأندلس في ثمانية عشر ألفًا من وجوه العرب والموالي وعرفاء البربر، فدخل أسبانيا في رمضان سنة 93هـ، سالكًا طريقًا غير الذي سلكه طارق، فاحتل قرمونة وأشبيليا وعددًا من المدن بين الوادي الكبير ووادي أنس، ولم يتوقف إلا أمام مدينة ماردة وكانت حصينة، وفقد كثيرًا من رجاله في حصارها، ثم استولى عليها. وتابع السير إلى أن بلغ طليطلة. ولما التقى بطارق عنفه على مخالفته أمره وسيره معه، ثم وجهه لإخضاع شرقي شبه الجزيرة، وزحف هو مغربًا، واجتمعا أمام سرقسطة، فاستوليا عليها بعد حصارها شهرًا. وتقدم طارق فافتتح برشلونة وبلنسية ودانية وغيرها، بينما كانت جيوش موسى تتوغل في قلب شبه الجزيرة وغربها. وهكذا تم لموسى وطارق افتتاح ما بين جبل طارق وسفوح جبال البرانس في أقل من سنة. وجعل موسى يفكر في مشروع عظيم، هو أن يأتي المشرق من طريق القسطنطينية، بحيث يكتسح أوروبا كلها ويعود إلى سوريا عن طريق شواطئ البحر الأسود، فما كاد يصل خبر عزمه هذا الخليفة الوليد بن عبدالملك حتى قلق على الجيش وخاف عواقب الإيغال، فكتب إلى موسى يأمره بالعودة إلى دمشق. وأطاع موسى الأمر، فاستخلف ابنه عبدالعزيز على قرطبة (دار إمارة الأندلس)، واستصحب طارقًا معه. ووصل إلى القيروان سنة 95هـ، فولى ابنه عبدالله على إفريقية، ووصل إلى المشرق بما اجتمع له من الغنائم، فدخل مصر ومعه مائة وعشرون من الملوك وأولادهم، في هيئة ما سُمع بمثلها، وواصل السير إلى دمشق.
كان الوليد قد مرض وثقل عليه الداء حتى أشرف على الموت، فأرسل سليمان بن عبد الملك إلى موسى يأمره بالتريث في دخول دمشق حتى يموت الوليد، ويتولى هو مقاليد الخلافة فيكون له فخر استقبال الموكب الظافر.
وقرأ موسى كتاب سليمان بن عبدالملك فقال: خنت والله وغدرت وما وفيت! والله لا تربصت ولا تأخرت ولا تعجلت ولكني أسير بمسيري. فإن وافيته حيًا لم أتخلف عنه، وإن عجلت منيته فأمره إلى الله. ودخل موسى دمشق سنة 96هـ، والوليد في مرض موته، فأحسن الوليد وفادته، غير أنه لم يلبث إلا أيامًا.
وتوفي الوليد، واستخلف سليمان بن عبدالملك، فحقد عليه وقيل أهانه. ومضت سحابة الغضب، وتدخل المهلب ابن أبي صفرة ـ وابنه يزيد ـ لدى سليمان بن عبدالملك، حتى تم لهما استرضاؤه، فعفى عن موسى وقربه من مجلسه.
سهر يزيد بن المهلب يومًا عند موسى، وسأله: يا أبا عبدالرحمن! في كم تعتد من مواليك وأهل بيتك؟ أجاب موسى: في كثير. فقال يزيد: يكونون ألفًا؟ فأجاب موسى: وألفًا وألفًا إلى منقطع النفس. فقال له يزيد: وأنت على ما وصفت، وألقيت بيدك إلى التهلكة؟ أفلا أقمت في قرار عزك وموضع سلطانك. فقال له موسى: "والله لو أردت ذلك لما نالوا من أطرافي طرفًا، ولكني آثرت الله ورسوله، ولم نر الخروج عن الطاعة والجماعة ". ذلك هو القائد الذي ما هزمت له راية قط، ولا فض له جمع، ولا نكب معه المسلمون نكبة منذ اقتحم الأربعين حتى شارف على الثمانين، لقد كان شجاعًا عاقلاً كريمًا تقيًا.
سياسته. كانت سياسة موسى بن نصير في البلاد التي تم له فتحها، قائمة على إطلاق الحرية الدينية لأهلها، وإبقاء أملاكهم وقضائهم في أيديهم، ومنحهم الاستقلال الداخلي على أن يؤدوا جزية كانت تختلف بين خُمْس الدخل وعُشْرِه (أي أقل مما كانوا يدفعونه لحكومة القوط).
وفاته. مضى موسى للقاء ربه، في وادي القرى، وهو في سبيله للحج في معية أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك وبرفقته.