روي أن رجلاً حج، وفي وسطه هميان فيه دنانير وجواهر، قيمة الجميع ثلاثة آلاف دينار، وكان الهميان ديباج أسود.
فلما كان في بعض الطريق، جلس يبول، فانحل الهميان من وسطه وسقط، ولم يعلم بذلك إلا بعد أن سار من الموضع بمسافة طويلة.
واتفق أن رجلاً تقيا جاء على أثره، فجلس يبول مكانه، فوجد الهميان فأخذه، وكان تقيا وعلى دين فسأل عن صاحبه فلم يجده ، فحفظه.
قال الرجل: فلم يؤثر في قلبي ذهابه، لكثرة مالي، فاحتسبته عند الله تعالى، وتغافلت ، وكان معي تجارة بأموال عظيمة، فقضيت حجي، وعدت إلى بلدي.
فلما كان بعد سنين، خسرت تجارتي وافتقرت لمحن توالت علي، حتى لم يبق لي شيء، فهربت على وجهي من بلدي، وقد صرت ممن تحل عليهم الصدقة ، وزوجتي معي وكانت حاملا ، فأويت إلى بعض القرى ، فنزلت في خان خراب.
فأصاب زوجتي الطلق، وما أملك غير دانق ونصف فضة، وكانت ليلة مطيرة، فولدت.
فقالت: يا هذا، الساعة أموت، فأخرج، وخذ لي شيئاً أتقوى به.
فخرجت أتخبط في الظلمة والمطر، حتى جئت إلى بقال فوقفت عليه، فكلمني بعد كل جهد، فشرحت له حالي، فرحمني، وأعطاني بتلك القطعة حلبة، وزيتاً، أغلاهما عنده، وأعارني غضارة جعلته فيهان فمشيت أريد موضعي، فزلقت، فانكسرت الغضارة، وذهب ما فيها.
فورد علي أمر عظيم، ما ورد علي مثله قط، فصر استرجع وأبكي وأصيح، فإذا برجل قد أخرج رأسه من شباك في دار، وقال: ويلك، مالك تبكي ؟، فشرحت له قصتي.
فقال: هذا البكاء كله بسبب دانق ونصف ؟
فتداخلني من الغم أكثر من الأول، فقلت: يا هذا، والله، ما لما ذهب عندي محل، ولكن بكائي رحمة بزوجتي وولدي الساعة يموتان جوعاً، ووالله ثم والله وحلفت بأيمان مغلظة، لقد حججت في سنة كذا، وأنا أملك من المال الكثير ، وقد ضاع مني هميان فيه دنانير وجواهر بثلاثة آلاف دينار ما فكرت فيه، وهو ذا تراني الآن أبكي بسبب دانق ونصف فضة، فاسأل الله العافية والسلامة، ولا تعيرني فتبتلى بمثل بلواي.
فقال لي: بالله عليك، ما كان صفة هميانك ؟
قلت: ما يقنعك ما خاطبتني به وما تراه من صورتي، وقيامي في الطين والمطر، حتى تتلهى بي، وأي شيء ينفعني وينفعك من صفة همياني، وقد ضاع من كذا وكذا سنة، ومشيت.
وإذا هو قد خرج يصيح بي: تعال خذ هذا، فقدرته يتصدق علي، فجئته.
فقال: أيش صفة هميانك ؟
وقبض على يدي، فلم أقدر أتخلص منه، فوصفت له همياني.
فقال لي: أدخل، فدخلت منزله.
فقل: أين زوجتك ؟ فقلت: في الخان الفلاني.
فأنفذ غلمانه، فأتوا بها، فأدخلها إلى حرمه، فأصلحوا أمرها، وأطعموها ما احتاجت إليه، وكساني كسوة حسنة، وأدخلني الحمام، وأصبحت عنده في عيشة طيبة.
فقال لي: أقم عندي أياماً لأضيفك، فأقمت عنده عشرة أيام، فكان يعطيني في كل يوم عشرين ديناراً، وأنا متحير من عظيم بره، بعد شدة جفائه ، فلما كان بعد ذلك، قال لي: أي شيء تتصرف فيه ؟
فقلت: كنت تاجراً.
فقال: أقم عندي، وأنا أعطيك رأس مال فتتجر في شركتي.
فقلت: أفعل.
فدفع إلي مائتي دينار، وقال لي: أتجر بها ها هنا.
فقلت: هذا معاش، قد أغناني الله تعالى به، يجب أن ألزمه، فلزمته.
فلما كان بعد شهور، ربحنا، فجئته، فقلت له: خذ ربحك.
فقال لي: اجلس، فجلست، فأخرج إلي همياني، وقال: أتعرف هذا ؟ فحين رأيته، شهقت من الفرح ؟
وقال: أنا ممتحن بحفظ هميانك منذ كذا وكذا سنة، فلما سمعتك تلك الليلة تقول ما قلته، وأعطيتني علامته، أردت أن أعطيك هو، فخشيت أن تنشق مرارتك من الفرح، فأعطيتك تلك الدنانير التي أوهمتك أنها هبة لك، وإنما أعطيتك ذلك كله من هميانك، والدنانير المائتان، قرض، فخذ هميانك واجعلني في حل.
فأخذته، ودعوت له، ورددت عليه القرض، ورجعت إلى بلدي، وبعت الجوهر وأضفت ثمنه إلى الدنانير، واتجرت بها، فما مضت إلا سنيات، حتى صرت صاحب عشرة آلاف دينار، وصلحت حالي، فأنا في فضل الله تعالى، أعيش إلى الآن.
اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ