مقدمة:
حفل القرآن الكريم
والسنة النبويةالشريفة بالقدس ما لم يحفلْ بمكانٍ آخر بعد المسجد الحرام. وسرّ ذلك
أنّالله سبحانه وتعالى خصّ أماكن معينة بالتقديس الخاص به. فالبيت الحراموكذلك
المسجد الأقصى خاصّان لله سبحانه وتعالى. ليس لبشر حقّ الادّعاءبأنهما ملكه أو
خاصيته، وقد اتضح ذلك في القرآن الكريم من خلال ربط المسجدالحرام بالمسجد الأقصى في
بداية سورة الإسراء حيث يقول سبحانه وتعالى:
(سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي
باركنا حوله). سورة الإسراء الآية 1.
وطالما أنّ القرآن
الكريم كلام اللهالذي أنزل على رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فإنّ ذلك
يعني أنّالتقديس الإلهي للقدس يخص عقيدة التوحيد دون سواها وبشكل أخص فإنه يخصالأمة
التي أنزل القرآن لها وهي أمة الإسلام. وكل مقدس إلهي اتضح أمره فيالقرآن الكريم هو
مقدس إسلامي، يخص كل منْ أمن بأنْ لا إله إلا الله محمدرسول الله، ومن انتقص هذا
التقديس فإنه ينتقص والعياذ بالله من قدسية اللهوما من محب لله ورسوله إلا ويحذر
أنْ يقع في هذه الحرمة الواضحة. فالقدسلله ولرسول الله ولأمة الله، فرض على المسلم
أن يحافظ عليها ويدافع عنهاويستشهد في سبيلها.
ولما أرسل رسولنا
الكريم -صلى اللهعليه وسلم- منحه الله سبحانه نبوة متكاملة فكان خاتم الرسل
والأنبياءوإمامهم. ولحرصه -صلى الله عليه وسلم- على توضيح مكانة بيت المقدس فقد
جعلمن سنته الشريفة زيارة بيت المقدس كسنة إسلامية ترتبط بالحج إلى بيت اللهالحرام.
وعدم زيارة الحاج إلى بيت المقدس قبل أو بعد حجه للبيت الحرامإخلال بسنن الحج بل
إنّ الحج ذاته إلى بيت الله الحرام يعتبر قاصرة إذا لميقم المسلم الحاج بزيارة بيت
المقدس. وقد سار السلف الصالح على هذا النهجفكان التقديس أي زيارة بيت المقدس سنة
يطبقها المسلمون إما قبل توجههم إلىمكة أو بعد انتهائهم من تأدية فريضة
الحج.
وما آل إليه
المسلمون من تقصير واضحتجاه المطلب الإلهي هو انتقاص من قدسية خاصة من خاصيات الله
سبحانهوتعالى. ولو قرأ المسلمون ماذا يعني ربط المسجد الحرام بالمسجد الأقصى
لماتوانوا عن زيارة المسجد الأقصى. ولما رضوا أن يكون حجهم
قاصراً.
ولو نظروا في
أحاديث رسول الله صلىالله عليه وسلم الخاصة بالقدس لأدركوا أنّ حجّهم غير مكتمل
وأنّ عليهمواجباً كبيراً تجاه القدس. يبدأ بالحفاظ عليها وتذليل كل العقبات
الماديةوالحدود المصطنعة وينتهي بالجهاد المسلح لتحريرها من قتلة الأنبياء
وأعداءدين التوحيد من يهود وصليبيين.
فهل نحن معاً في
فهم النداء الإلهيالذي يناشدنا نحن أمة التوحيد أنْ نحافظ على مقدساتنا أن نرعاها
ونظللهابنداء الله أكبر ونحن ندور في جنباتها ونسعي بين المسجد الأقصى ومسجد
قبةالصخرة؟ هل نحن معاً في فهم مقاصد الحديث النبوي الشريف الذي قال إن القدسأرض
الرباط وهي القبلة الأولى وثالث الحرمين الشريفين. هل ندرك أن زيارتهاوالجهاد من
أجلها تلبية لنداء إلهي قرآني؟
المسجد الأقصى والأرض المباركة في القرآن
الكريم
وردت في القرآن
الكريم آيات عديدة، منها ما صرح بالمسجد الأقصى، ومنها ما صرح بالأرض المباركة أو
المقدسة.
يقول تعالى:
(سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) الإسراء الآية
1.
ومن المتفق عليه دون خلاف أو تأويل أنّ المسجد الأقصى في القدس من أرض
فلسطين.
وقال تعالى في قصة
إبراهيم ولوط عليهما السلام (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي
باركنا فيها للعالمين) الأنبياء الآية 71.
وقال تعالى:
(ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها
وكنا بكل شيء عالمين) الأنبياء الآية 81. والأرض المباركة هي فلسطين أي ما
حول المسجد الأقصى وذلك باتفاق الآراء.
وقال تعالى في قصة
سبأ: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا
فيها السير سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين) سبأ
18.
وهو ما كان بين
مساكن سبأ في اليمن وبين قرى الشام من العمارة القديمة فباركنا فيها أي الشام ومنها
القدس مركز البركة.
وقال تعالى:
(والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين) التين،
الآية 1.
قال ابن عباس:
التين بلاد الشام والزيتون بلاد فلسطين وطور سينين الجبل الذي كلم الله عليه موسى
عليه السلام. والبلد الأمين مكة.
وقال تعالى:
(وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار
ومعين) المؤمنون 50.
قال ابن عباس:
هي بيت المقدس.
وهناك آيات أخرى
فسّرها المفسرون علىأنّها تدل على بلاد الشام بعامة التي منها بيت المقدس. (انظر
سورةالأنبياء 105، ق41، النور 36، النحل17-18، الحديد
13).
فمكانة القدس
والأرض المباركة فيالقرآن الكريم لا تقل أهمية عن مكانة القدس الحرام. ولهذا السبب
كانالمسجدان مرتبطين بالإسلام ارتباطاً وثيقاً. ولهذا السبب فهم المسلمونالأوائل
مسؤولية الدفاع عنهما والجهاد لأجل الحفاظ على قدسيتها. حتى يرثالله الأرض وما
عليها.