الإِرشاد الزراعي
الإِرشاد الزراعي vulgarisation agricole هو عمل
تعليمي غير رسمي يتطلب تنفيذه تعاون أجهزة ومنظمات رسمية وخاصة تعمل جنباً إِلى جنب
مع الريفيين الذين يتعلمون منه، بالاقتناع وبالطرائق والمعينات الإِرشادية
المختلفة، كيف يحددون مشكلاتهم بدقة ويتزودون بالمعارف المناسبة والاتجاهات المرغوب
فيها والمهارات الأساسية اللازمة لتطوير أنفسهم وتنمية قدراتهم ومساعدتهم على
إِيجاد الحلول لمشكلاتهم. فالإِرشاد الزراعي إِذن نظام تعليمي وإِقناع وتنفيذ، يهدف
إِلى إِحداث تغييرات سلوكية مرغوب فيها لدى الفلاحين، في معارفهم ومهاراتهم
واتجاهاتهم، وهو عملية تطبيقية مستمرة، وهو أحد أركان ثلاثة هي التعليم الفني
الزراعي والبحث العلمي الزراعي والإِرشاد الزراعي. وتترابط هذه الخدمات بصلات
تبادلية اعتمادية تكاملية يزيد كل منها من فعالية الأخريين فيؤدي ذلك إِلى تقدم
الزراعة وتطوير الريف. وعليه فإِن الإِرشاد الزراعي يرمي في تطويره الريفيين إِلى
«زراعة أحسن وحياة أفضل وسعادة أكثر وتعليم أوفر ومواطن أصلح» وذلك عن طريق إِيجاد
صلة مع المزارعين وثقة متبادلة وعن طريق تعاونهم ومشاركتهم الفعالة في تخطيط
البرامج الإِرشادية وتنفيذها وتوافر مستلزمات القيام بالعمل
الإِرشادي.
الاتجاهات الرئيسة للتنظيمات الإِرشادية
يوجد عالمياً
منهجان رئيسان لتقديم الخدمات الإِرشادية التعليمية الزراعية: «الإِرشاد الزراعي
الوحيد الغرض» و «تنمية المجتمع المحلي (الريفي)». أما المنهج الأول فيكون التركيز
فيه على النواحي الإِنتاجية الزراعية لرفع مستوى الحياة الريفية. ويميز ضمن هذا
المنهج اتجاهان أساسيان: التنظيم الإِرشادي التعاوني، كما في الولايات المتحدة
الأمريكية، والتنظيم الإِرشادي الحكومي، وفيه تشرف وزارة الزراعة على النشاط
الإِرشادي، كما في سورية ومصر مثلاً، وتتعدد في هذا النمط النظم
وتتباين.
وأما المنهج الثاني فيكون محور الاهتمام فيه ربط النواحي
الإِنتاجية الزراعية بمجالات أخرى وثيقة الصلة بها كالنواحي الصحية والتعليمية
والاجتماعية كما هي الحال في مصر والهند. ويتفق المنهجان في كونهما تعليميين
ديمقراطيين، ويختلفان في أسلوب العمل وفلسفته وفي التنظيم. وباختصار شديد يكون
الإِرشاد الزراعي الوحيد الغرض أكثر صلاحاً وفاعلية في المجتمعات الفردية التي يغلب
فيها الاعتماد على الفرد، أما «تنمية المجتمع المحلي الريفي» فأنسب في المجتمعات
النامية المتميزة بأهمية الجماعة وقوة الروابط بين الجماعات الريفية.
اختيار
المرشدين وتدريبهم
يعتمد الإِرشاد الزراعي إِلى حد كبير على مدى كفاية
المرشدين العاملين وجهاً لوجه مع الفلاحين ومشكلاتهم الفنية والمادية والاجتماعية.
ويراعى في اختيارهم تحقيق المبدأين التاليين: توافر المؤهل العلمي (إِجازة عامة في
العلوم الزراعية أو خاصة في الإِرشاد الزراعي) وتوافر صفات معينة تتناسب مع العمل
كالمنشأ الريفي، والإِيمان بالعمل الإِرشادي، والخبرة الطويلة والكفاية الفنية
العالية وخصال شخصية محددة. ويمكن تنمية هذه الصفات وصقلها عن طريق البرامج
التدريبية للمرشدين وتقسيم عملية التدريب إِلى تعليم وتدريب إِعدادي أساسي، وتدريب
تأهيلي للخريجين الجدد، وتدريب تجديدي للمرشدين الزراعيين في أثناء الخدمة، وتدريب
تخصصي أعلى.
عملية الاتصال في العمل الإِرشادي
إِن قدرة المرشد
الزراعي على الاتصال هي التي تحتم نجاحه أو إِخفاقه في القيام بالمهام الإِرشادية.
وعملية الاتصال هي «العملية التي يتمكن فيها شخصان أو أكثر من تبادل الأفكار
والحقائق والمشاعر والانطباعات بطريقة يتمكن بها كل منهم من فهم معنى الرسالة
ومضمونها فهماًَ مشتركاً». وتعد الكلمات وسائل الاتصال الأساسية، ويمكن زيادة
فاعلية الكلمة بالاستعانة بالمعينات ولاسيما البصرية منها. وتوجد أنواع متعددة من
الاتصال تبعاً للأهداف والوسائل. وتشمل عملية الاتصال العناصر التالية وهي: مصدر
الاتصال (المرشد الزراعي)، والرسالة الإِرشادية، وقناة الاتصال، ومعاملة الرسالة،
والجمهور أو المزارعون، واستجابة الجمهور. وتقف أمام عملية الاتصال عدة موانع
ثقافية أو اجتماعية أو نفسية تحول دون استقبال الجمهور للرسالة الإِرشادية وفهمها
وتطبيقها.
تبني الأفكار والأساليب الزراعية الحديثة
لا تنحصر مهمة
الإِرشاد الزراعي في إِقناع الفلاحين بالمقولات العلمية الجديدة وإِنما هي تتمثل في
العمل الدؤوب على جعلهم يتبنونها وينفذونها فعلياً. ويتم ذلك بعمليتين مترابطتين
متداخلتين هما: عملية انتشار الفكرة وانتقالها من مصادرها الأصلية إِلى المزارعين،
وعملية التبني أي «العملية العقلية التي يمر فيها الفرد منذ سماعه بالفكرة الجديدة
أول مرة حتى تبنيها النهائي» أي إِن الفرد يمر بسلسلة من المراحل وهي: مرحلة الوعي
والتنبه، ومرحلة الاهتمام، ومرحلة التقويم العقلي، ومرحلة التجريب، ومرحلة التبني
والتطبيق. وتجدر الإِشارة إِلى أنه لابد من وجود مشكلة ما أو حاجة ما لدى الفرد قبل
الدخول في تلك المراحل. ويتفاوت المزارعون في الأخذ بالخبرات الجديدة تبعاً للزمن
النسبي لعملية التبني وتؤثر في سرعة التبني عوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية
وشخصية، وعوامل مرتبطة بطبيعة الخبرة الجديدة وصفاتها.
طرائق الإِرشاد
الزراعي ووسائله
لما كان الفلاحون غير متجانسين وكانوا متباينين في المعرفة
والخبرة والمهارة، وأيضاً في نواح اقتصادية واجتماعية متعددة، فلا بد من اتباع
طرائق ووسائل إِرشادية مختلفة يلزم اختيارها تبعاً لموضع الفلاحين في مراحل التبني
المعروفة.
وتصنف الطرائق الإِرشادية اعتماداً على أساسين: نوعية الطرائق
(وتشمل الطرائق السمعية، والطرائق البصرية المكتوبة، والطرائق السمعية البصرية)
وعدد أفراد الجمهور الإِرشادي، وهنا تُذكر: الطرائق الفردية (الزيارات الشخصية...)
والطرائق الجماعية (الاجتماعات الإِرشادية، الحقول الإِرشادية، الأيام الحقلية)
والطرائق الجماهيرية (المطبوعات الإِرشادية، المعارض الزراعية، البرامج الإِذاعية
والتلفزيونية). وتجدر الإِشارة إِلى أن المعينات الإِرشادية هي وسائل تستخدم في
المقام الأول حاستي السمع والبصر لتدعيم العملية التعليمية وإِيصال الرسائل
والمعلومات الإِرشادية بكفاية عالية إِلى الفلاحين. وكلما زاد عدد الحواس المستخدمة
في عملية الاتصال زادت كفاية الاتصال أي زادت درجة استيعاب الفلاحين للرسالة
الإِرشادية وتفهمهم إِياها.
القيادة الريفية
القادة في العمل
الإِرشادي الزراعي نوعان: القادة الفنيون الذين يقومون بخدماتهم مقابل أجر مادي،
والقادة المحليون الذين يتم اختيارهم للعمل في البرامج الإِرشادية من دون مقابل
مادي والذين يكتفون بالارتياح والرضا لما يترتب على نتائج عملهم من تحسين للظروف
المحلية والنهوض بمجتمعاتهم. ويتم اكتشافهم، تبعاً لمجموعة من الاعتبارات، بطرائق
مختلفة منها المناقشة والاستبيان والاصطفاء والاستناد إِلى الأقدمية والخبرات
السابقة. وتعقد لهم بعد اختيارهم دورات تدريبية لتمكينهم من القيام بوظائفهم
الأساسية وهي العمل على إِعطاء نموذج يمكن لأعضاء الجماعة أن تقتدي به فيقومون بدور
المنشطين المشجعين على قيام الجماعة بعمل معين هو تطبيق الأساليب الزراعية
الحديثة.
تخطيط البرامج الإِرشادية الزراعية وتنفيذها
البرنامج
الإِرشادي خطة مفيدة يستعين بها القائمون بالعمل الإِرشادي في القرى والمزارع
لتنفيذ البرنامج على الوجه الأكمل. وعملية تخطيط البرنامج الإِرشادي وتنفيذه عملية
مستمرة وذات طابع تعاوني ويمكن تقسيمها إِلى مرحلتين رئيسيتين: مرحلة تخطيط
البرنامج ومرحلة تنفيذه. أما مرحلة تخطيط البرنامج فتتضمن الخطوات التالية: تجميع
الحقائق عن الوضع الراهن، وتحليل الموقف، وتحديد المشكلات والحاجات، وتحديد الأهداف
ووضع البرامج. وأما مرحلة تنفيذ البرنامج فتشتمل على وضع خطة العمل، وتنفيذ هذه
الخطة، وتقرير مدى التقدم. وفي كل الحالات يكون البرنامج موضع تعديل وتطوير بناء
على نتائج التطبيق والتقويم.
تقويم العمل الإِرشادي
ومستوياته
التقويم هو «عملية قياس التغيرات السلوكية لجمهور الإِرشاد
المترتبة على تنفيذ برنامج إِرشادي معين ومدى تحقيق هذه التغيرات للأهداف الموضوعة،
مع تقدير فاعلية الطرائق والمعينات الإِرشادية المستعملة للوصول إِلى هذه التغيرات،
ومع قياس الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على التغيرات السلوكية للأفراد
المسترشدين». وللتقويم مستويات عدة تندرج من البسيط حتى أشد المستويات تعقيداً
وأكثرها دقة وموضوعية.
ويهتم الإِرشاد الزراعي على العموم بتقويم المجالات
التالية وهي: التنظيم الإِرشادي وأهدافه، والعاملون في الإِرشاد الزراعي، وعملية
تخطيط البرامج الإِرشادية والنتائج النهائية للبرنامج الإِرشادي.
الإِرشاد
الزراعي في سورية
عرفت سورية أول عمل إِرشادي عندما قامت مدرسة السلمية
الزراعية (في محافظة حماه) عام 1910 بنشر الأساليب الزراعية وتكوين مفاهيم جديدة عن
الزراعة آنذاك. وفي عام 1947 أنشئت وزارة الزراعة بجهازيها الفني والإداري وأضحى
للإِرشاد الزراعي مكان في هذا التنظيم، وانحصرت مهامه في نشر المعلومات الزراعية.
وفي عام 1959 أنشئت في وزارة الزراعة مديرية للإِرشاد الزراعي واستمرت في العمل حتى
عام 1967 إِذ ألغيت وعدت قسماً فنياً في مديرية الشؤون الزراعية والبستنة. وقد
استمر القسم المذكور حتى عام 1978 ثم أصبح من جديد مديرية فنية مركزية تدعى مديرية
الإِرشاد الزراعي.
وتتكون البنية التنظيمية للإِرشاد الزراعي السوري من
ثلاثة مستويات أساسية: مستوى القطر، ومستوى المحافظة، ومستوى المناطق والنواحي
والقرى. وتشرف مديرية الإِرشاد الزراعي على الأنشطة الإِرشادية كافة: الأيام
الحقلية، والندوات الإِرشادية، والحقول الإِرشادية، والمطبوعات والمعارض الزراعية،
ولقد تضمنت خطة الدولة حتى نهاية عام 1985 إِقامة 600 وحدة إِرشادية في مختلف
المناطق الزراعية لتشمل خدمات كل وحدة نحو 2000 هكتار في الأراضي المروية و8000
هكتار في الأراضي المطرية. وتضم الوحدة الإِرشادية ثلاثة مهندسين زراعيين ومراقباً
زراعياً ومراقباً بيطرياً وعاملاً فنياً. أما البرامج الإِرشادية الإِذاعية
والتلفزيونية فيشرف عليها الاتحاد العام للفلاحين.
وتعترض العمل الإِرشادي
في سورية مجموعة من المعوّقات تتعلق بالإِطار الفني المدرب، والتجهيزات الفنية
الزراعية والبيطرية، ووسائل الانتقال، وصغر حجم الحيازة الزراعية، والصلة بين
الإِرشاد الزراعي والجامعات ومراكز البحث الزراعي.
الإِرشاد الزراعي في
المملكة العربية السعودية
أنشئ جهاز الإِرشاد الزراعي في وزارة الزراعة عام
1956 وتقوم إِدارة الإِرشاد والخدمات بوضع برامج التدريب وتمثيل الوزارة وبرامجها
في ميادين العمل التي تتناول إِنتاج المحاصيل الزراعية والحيوانية وتسويقها، ويتم
ذلك عن طريق الوحدات الزراعية المنتشرة في أطراف المملكة. ومن أسباب الصعوبات في
العمل الإِرشادي تباعد القرى، ووعورة الطرق، وصعوبة إِقناع المزارعين بتطوير
أساليبهم الزراعية، وعدم تدريب المرشدين قبل العمل وفي أثنائه، وكذلك عدم تدخل
الإِرشاد في مجالات أعمال الشباب والمرأة في الريف.
الإِرشاد الزراعي في
مصر
أنشئت في وزارة الزراعة عام 1953 إِدارة عامة للإِرشاد في معظم الميادين
الإِنتاجية الزراعية والحيوانية (ما عدا النواحي البيطرية). ويتكون الهيكل التنظيمي
والإِداري للجهاز من مستويات: الجمهورية، والمحافظة، والمركز. وإِضافة إِلى جهاز
الإِرشاد الزراعي يوجد في مصر منهج آخر لتنمية المجتمع الريفي مكون من «المراكز
الاجتماعية والوحدات المجمعة» التي يتركز اهتمامها على النواحي الاجتماعية
والتعليمية والصحية والزراعية بقصد رفع مستوى الريفيين المعاشي. وتعترض العمل
الإِرشادي جملة صعوبات تتصل إِما بالخصائص المميزة للسكان الريفيين وإِما بهيكلية
الإِنتاج الزراعي، إِضافة إِلى مشكلات أخرى تتعلق بالبنية التنظيمية للجهاز
الإِرشادي وكيفية أدائه وظائفه.
اسكندر إسماعيل
الموضوعات ذات
الصلة
ـ الاقتصاد الزراعي.
ـ مراجع للاستزادة
ـ أحمد
السيد العادلي، أساسيات علم الإِرشاد الزراعي، (مطبعة الجاحظ، دمشق 1981).
ـ
حسين زكي الخولي، الإِرشاد الزراعي: دوره في تطوير الريف، (دار المعارف بمصر
1968).